TIME
19:02
القصة الجزائرية - رضا حوحو
القصة الجزائرية (رضا حوحو )
تعريف القصة
أ-لغة:
القصة معروفة ويقال في رأسه قصة يعني الجملة من الكلام ونحوه قوله تعالى: "نحن نقص عليك أحسن القصص" أي نبين أحسن البيان.
يوجد في اللغة العربية "القص" بمعنى الحكي والسرد، مشتقة من القصة التي تعني سرد واقعي أو خيالي لأفعال نثرا أو شعرا.
وهناك القص بمعنى القطع مشتقة من كلمة "المقص" وهو أداة للقطع والبتر فنقول: قص الورق بمعنى قطعه وفي القاموس المحيط للفيروز أبادي معان كثيرة لكلمة "قص" مثقفة في معظمها مع ما ورد في لسان العرب المحيط، ومنها: قص أثره قصا وقصيصا تتبعه، والخير أعلمه .
إن القصة بمفهومها العام شديدة الصلة بحياة الإنسان اليومية منذ فجر التاريخ. فلا تكاد تخلو منها حياة أي شعب من الشعوب سواء كانت مدونة أم مروية شفهيا.
ونقول أيضا: قطعت علاقتي بفلان ولا يصح أن نقول: قصصت علاقتي بفلان فهذا خطأ وهناك القاص الذي يأتي بالقصة من فصلها ويقال: قصصت الشيء إذا تتبعت أثره شيئا بعد شيء، وكذلك قوله تعالى:"وقالت لأخته قصية" أي تتبعي أثره، كما يوجد أيضا:القصة وهي الخصلة من الشعر وقصة المرأة ناصيتها والجمع من ذلك قصص وقصائص وقص الشاة ما قص من صوفها .
ب-اصطلاحا:
القصة سرد نثري أو شعري واقعي كان أم خيالي لأفعال يقصد به أو يهدف إلى الاهتمام والإمتاع وتثقيف السامعين والقراء، ويقول أحد رواد القصص المرموقين وهو "روبرت لويس ستيفن سون" : "ليس هناك إلا ثلاثة طرق لكتابة القصة، فقد يأخذ الكاتب حبكة ثم يجعل الشخصيات ملائمة لها أو يأخذ جوا معينا ويجعل الفعل والأشخاص تعبر عنه أو تجسده" .
عند أحمد رضا حوحو
لم يستعمل حوحو الطريقة الحديثة إلا قليلاً حتى لتكاد تكون نادرة في قصصه، فهي أقل الطرق استعمالاً عنده، ويعود سبب ندرتها إلى أسباب كثيرة، أبرزها أن حوحو لم يكن مهتماً بمطالعة الأدب الفرنسي الحديث، قدر شغفه بمطالعة الإنتاج الأدبي الذي كتب في عصر النهضة، خصوصاً القصصي والمسرحي منه.
لكن تجلت ملامح هذه الطريقة في قصته"القبلة المشؤومة"، فقد مهد لها بوصف البيئة القصصية التي وقع فيها الحدث، واتضح من خلال المقدمة أن الحدث قد انتهى، وإنما بطل القصة قد أعاد روايته لصديقه الكاتب. وهكذا رجعت القصة إلى أولها وتضمنت المقدمة حديثاً طويلاً على لسان الراوي، تحدث فيه عن هواية الرياضة المحببة إليه، وهي عبارة عن فسحة قصيرة كان يقوم بها كل ليلة في ضاحية"المسفلة"، إحدى ضواحي أم القرى.
لقد تنوعت الموضوعات القصصية، وتعددت، فبدا في قصصه الأولى متأثراً بالموضوعات العاطفية والروح الرومانسية، ثم أخذ يتخلص من تأثير هذا التيار بتطوير نظرته، ومفهومه للأدب وللواقع الحياتي فاتسمت قصصه الأخيرة، بتأثير الاتجاه الإصلاحي والواقعي، وتخلصت النهايات القصصية من النظرة التشاؤمية.
ومن الناحية الشكلية اتسمت أعماله في مجملها بالقصر، وحققت عدة شروط أساسية لفن القصة القصيرة.
على أنه أحياناً ابتعد عن خصائص بنية القصة القصيرة الفنية واقترب من روح الرواية أو بعض الأشكال الأدبية الأخرى، خصوصاً المقالة الأدبية، يوضح ذلك تعدد الشخصيات وكثرة الأحداث، وتنوع البيئات وطول الزمن.
ويدل هذا على عدم اكتراث حوحو بالمبادئ الفنية، في أثناء كتابة القصة، رغم معرفته بأصولها النظرية.
ونحن لا ننفي أن يكون بعض قصصه قد اتسم بالتركيز، وتوافر العناصر الفنية، كوحدة الحدث، وقصر الزمن، والتركيز، ولكن قصصاً عديدة لم يوفق حوحو في صوغها، حيث طغت بعض ملامح الحكاية الشعبية على طريقة كتابتها، كقصتي: "صاحبة الوحي"، و"القبلة المشؤومة"، فقد حول بعض الشخصيات إلى دمى خالية من أي إحساس بشري، وأفقدها حيوية الشخصية الأدبية ذات الاستقلال التام، والكيان المستقل داخل النص الأدبي.
على أن الشخصيات في قصصه تدل على اتصاله بالواقع الحياتي وبيئات مجتمعه، وتأثره بما يدور فيه، وبما يعانيه الإنسان.
ومن هنا اختلفت عنايته برسم شخصياته حسب أهمية الشخصية وقوة موقفه منها، فقد اهتم بتصوير الشخصيات الدينية، حيث أنه يعتني أولاً بوصف مظهرها الخارجي وصفاً دقيقاً يوحي في الغالب بسمّو مكانتها الاجتماعية ومنزلتها العلمية، ولكنه سرعان ما يكشف جانبها الباطني عن طريق مواقف محرجة يسوقها إليها سوقاً، وعادة ما تكون الصورة الباطنية، هي الصورة الحقيقية، والصورة الخارجية صورة زائفة، خادعة، أما معظم الشخصيات الأخرى فتظل باهتة يقودها الكاتب كيفما شاء، ويرسم مصيرها كيفما أراد.
ولم تسلم من هذه الحتمية إلا شخصيات قليلة، حيث أنها أدت دورها الفني كاملاً، كشخصية "دروت" في قصة التلميذ.
كما اتسمت بعض الأحداث بخلوها من عنصر الاقناع، إما لضعفها الفني أو لغرابتها عن تقاليد المجتمع العربي، ونعزو وجودها في قصص حوحو إلى تأثير قراءاته المتنوعة للآداب الأجنبية، خاصة الأدب الفرنسي.
ومع هذا كله اتسم فن القصة القصيرة عند أحمد رضا حوحو بالثراء والتنوع، فكشف عن موهبة أدبية خصبة قدمت الكثير، وحسبه أنه ظهر في وقت تحارب فيه الثقافة العربية والإسلامية بشتى الوسائل الاستعمارية فضلاً عن فقر تاريخنا الأدبي الجزائري إلى الأدب القصصي، وخلوه من حركة نقدية تواكب مسار ابداعاته أيام حوحو.
وهكذا شق حوحو طريقه الأدبي، ورسم بعض معالم القصة العربية في الأدب الجزائري المعاصر، فاستحق أن يكون علماً رائداً لهذا الفن الأدبي خلال مرحلته الأولى.
الخصائص التي يتميز بها اسلوب رضا حوحو:
ينفرد أسلوب حوحو بعدة خصائص فنية تميزه، عن غيره من كتاب جيله نظراً لاختلاف مصادر ثقافته الأدبية وتنوعها، وخفة روحه التي تطل من بين ثنايا كل عمل.
وسنركز فيما يلي على مزايا السخرية والتصوير واللغة وغير ذلك مما يتصل بأسلوبه العام.
أ-السخرية
للسخرية حظ كبير في كتابات حوحو، وقد وظفها في التعبير عن خلجات نفسه، وشؤون الحياة المختلفة.(47).
فانتقى لها الألفاظ والتعابير، وحرص على اصطياد المفارقات المضحكة في الأحداث أو الشخصيات بحيث كان للهزل فيها نصيب وافر.(48)
وللسخرية دور فني هام عند حوحو. فعدا عن المتعة الفنية التي تشيعها في النص فإنها تقوم بدور انتقاد الأوضاع الاجتماعية والتقاليد الجامدة(49)، وبدور تذكير الأهالي وتنبيههم على خطر بعض ممن يتاجرون بالدين، أو يتظاهرون بالتقوى والورع، وهم يمارسون أعمالاً طرقية لا تمت للعادات الإسلامية بأية صلة
ب-التصوير.
أولى حوحو عنصر التصوير اهتماماً كبيراً، خصوصاً تصوير الشخصيات وعواطفها. كما عني بتصوير البيئة القصصية لتأدية دورها في تطور الحدث القصصي وإيضاح الشخصيات. يقول في قصة" الفقراء(56)مصورا زوجة الصياد" وقرب السرير امرأة في ثياب رثة، مصفرة الوجه، ناحلة الجسم يلوح عليها أثر البؤس والشقاء، وتبدو عليها بوضوح علامات الضنك والعناء الشديد.(57).
واستعان في تصويره بالتشبيهات، كتشبيه البطل بحيوان قوي في قصته "خولة" حيث شبه (سعد) بالأسد عندما خرج من مخبئه وهجم على غريمه (صالح) لما حاول أن يحتضن خولة، ثم شبه قفزاته بقفزات النمر وجريه بجري الظليم وسرعة جواده بسرعة السهم(58).
وهي كلها مستمدة من البيئة الصحراوية التي تشكل مصدراً خصباً للخيال العربي إلى أيامنا هذه، وتلائم الحدث القصصي الذي تناول موضوع الحب العذري في البيئات البدوية. وتظهر براعة حوحو التصويرية في قصتيه "الشيخ زروق" و"سيدي الحاج"، ففيهما ركز جهوده الفنية على تصوير الشخصيتين المحوريتين، مبرزاً التناقض الكبير بين القول والعمل.
ويمكن القول إن الأدوات الفنية المألوفة في التراث الأدبي العربي القديم كالتشبيه بالأسد والسهم وأنواع الحيوانات، هي من أهم وسائل حوحو المعتمدة في تصوير الشخصيات، مما يثبت تأثره بالتراث وبالأساليب الإبداعية العربية رغم ما يظهر من خلال تجربته الأدبية من دعوته إلى التجديد.
ج-اللغة
عنصر اللغة من أهم القضايا الفنية، التي تثير الجدل الطويل بين المبدعين والنقاد، بدأ النقاش حولها منذ مطلع القرن الحالي، وما زال حتى الآن ويكمن هذا الخلاف حول طبيعة لغة المبدع في القصص أو الكتابة، وكاد النقاش يجمع على أن الكتابة القصصية يجب أن تكون عربية فصحى في السرد وبعضهم يستحسن أن تكون لغة الحوار بلهجة المبدع المحلية، أو بلغة وسطى أي بلهجة مهذبة.
أما أحمد رضا حوحو فقد آثر التعبير بالعربية الفصحى سواء في أثناء السرد أو الحوار، إلا في القليل النادر، فقد أورد بعض الكلمات الدارجة، كهذه الجملة التي أتت على لسان الشخصية المحورية في قصته "العم نتيش" حيث قال: الدعوة امطينة يالولاد"(59).
فإذا ما درسنا اللغة الفصحى عنده أمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع تظهر بوضوح ملامح الكاتب وخصائصه.
1-اللغة الوجدانية:
ونعني بها تلك اللغة التي يعبر بها عن موضوعات وجدانية، وهي تظهر بكثرة في قصصه التي تدور حول أحداث عاطفية مثل "صاحبة الوحي"، والقبلة المشؤومة"، و"فتاة أحلامي"، و"جريمة حماة" و"خولة"، وهي في مجموعته القصصية الأولى "صاحبة الوحي".
أما المعجم اللغوي لهذا النوع، فإنه يتسع لألفاظ الحب، والغزل والجمال والحسن وأجزاء جسد المرأة الحبيبة أو الزوجة. إن بطل قصته "صاحبة الوحي" يصف حبيبته بـ: "أنها صبيحة الوجه تفوق كثيرا الحدود البشرية في الجمال ومقاييسها في الحسن، إنها ناعمة البشرة معتدلة القامة، كأنها غصن بان من شجر البان الذي حلى الله به جنة الفردوس، لا بان هذه الدنيا الذي يعتريه الذبول والجفاف.."(60).
ويلاحظ أن هذا الصنف من المفردات اللغوية قريب في روحه من المعجم اللغوي الذي استعمله كل من: جبران خليل جبران، ومصطفى لطفي المنفلوطي.
والواقع أن حوحو استخدم تعابير عديدة ذات دلالات معينة استعملها جبران قبله في جل كتاباته الأدبية، يقول حوحو: "إنها فاتنة يفيض حسنها بأنوار الطهر والقداسة "وقوله" يشوب عينيها جلال من الذبول، وجلال من الذهول، وكذلك قوله "إن التي أحدثك عنها هي كيوبيد نفسه إله، الحب، إنها فينوس آلهة الجمال، إنها أحلى من الآمال، وأعذب من الحياة إنها إلهام الفنان حينما يحلق في سماء الفن(61).. وهنا تقترب اللغة القصصية من الشعر، وهو ما اشتهر به جبران.
لقد كان تأثير هذه اللغة في قصص حوحو سلبياً، فقد فسح المجال لخياله لأن يتدفق مترصداً الكلمات الشعرية، والتعابير الغنية. وهو ما أدى إلى أن تقترب اللغة من فن أدبي آخر، وهو حسب ترجيحنا الخاطرة الفنية، وهي ظاهرة نراها في القصص التي تناولت أحداثها عاطفة الحب لكثرة الوصف وتراكم الألفاظ العاطفية.
2-اللغة النقدية:
نعني باللغة النقدية ما كان يبثه حوحو من تراكيب أدبية في القصص التي تناولت موضوعات النقد الأدبي أو سير بعض الشخصيات الحقيقية(62).
وتظهر في مجموعتيه "صاحبة الوحي وقصص أخرى، و"نماذج بشرية" وعلى الأخص في قصصه التالية:
أ-صديقي الشاعر(63)
ب-فقاقيع الأدب(64)
ج-الشخصيات المرتجلة(65)
د-يحي الضيف(66)
3-اللغة الفنية
اللغة الفنية هي لغة القص الفني، وهي متوافرة أكثر من غيرها في كتابات حوحو القصصية، ويمكن ملاحظتها في اثنتي عشرة قصة،(69) من ضمن عشرين في مجموعتيه المطبوعتين.
وهي لغة فصحى مناسبة لعناصر القص الفنية، من سرد وحوار ووصف، تميزت أحياناً بالإيحاء والتركيز كقصة "الشيخ زروق "أو" السكير"، بما لا يدع مجالاً للشك في موهبة حوحو واقتداره على تصوير الأحداث والمواقف والشخصيات.
4-البيئة
البيئة ثرية متنوعة في قصص حوحو، وربما كان ذلك سببه تعدد البيئات التي عاشها طوال حياته بين الجزائر والحجاز.
أولاً:
البيئة الاجتماعية.
يلاحظ في قصص حوحو أنها واقعة في ثلاث بيئات: جزائرية وحجازية وفرنسية،
ثانياً:
البيئة الزمانية:
ينعدم عنصر الزمن في قليل من قصص حوحو، وخاصة القصص التي تدور حول القضايا الأدبية والنقدية كقصتي: "فقاقيع الأدب" و"الشخصيات المرتجلة" فإذا ورد كان أقرب إلى روح العمل الأدبي الطويل، فقصص: صاحبة الوحي، والقبلة المشؤومة، وثري الحرب، وجريمة حماة، وصديقي الشاعر، وخولة، وعائشة، والعصامي، والعم نتيش، و"السكير"، ورجل من الناس، تحمل زمناً روائياً؟
ويعبر حوحو أحياناً عن طول زمن قصصه بطريقة قطع تتابع العنصر الزمني مدة، ثم الرجوع إليه بعد مرور شهور وأعوام.
ليصلك الجديد فيما يخص ما ننشره
قم بتسجيل الاعجاب بالصفحة