الخصائص الفنية في النص القرآني
استاذ التعليم الابتدائي
الخصائص الفنية في النص القرآني
امتاز أسلوب القرآن بخصائص عظيمة باهرة ، أزهتْ طابعه المعجز لغة وبلاغة ، وتعددت تعددا كبيرا . لكن استقصاء مزاياه شأن بعيد المنال دونه خرط القتاد ، فإنه علم استأثر به منزله الذي عنده علم أسرار الكتاب ، لكنا لن نحجم عن الإدلاء بدلو يروي ظمأ المتطلع ويشفي غلته ، فما لا يدرك جله لا يترك أقله . ونذكر بعضا منها فيما يلي :
1- تميز النظم القرآني:
اشتمل القرآن على أفصح ألفاظ العربية وأعذبها ، وإن هذه الألفاظ وإن كانت معهودة استعملها العرب قبل الإسلام وبعده ؛ فإن القرآن قد فاق جميع كلامهم وعلا علوا شامخا ، وما ذاك إلا لحسن السبك وروعة التأليف . فقد تحسن الكلمة في مورد ويتألق فيه جمالها ، لتعانقها مع ما حولها ، بينما تبرز شوهاء شنيعة في موقع آخر ، قال ابن الأثير :
" قد جاءت لفظة واحدة في آية من القرآن وبيت من الشعر ؛ فجاءت في القرآن جزلة متينة ، وفي الشعر ركيكة ضعيفة ، فأثّر التركيب فيها هذين الوصفين الضدين ؛ أما الآية فهي قوله تعالى: ) فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق ( [1]
وأما بيت الشعر فهو قول أبي الطيب المتنبي :
تلذ له المــروءة وهـي تؤذي ومن يعشق يلذ له الغـرام [2]
وهذا البيت من أبيات المعاني الشريفة ، إلا أن لفظة " تؤذي " قد جاءت فيه وفي الآية من القرآن ، فحطت من قدر البيت لضعف تركيبها ، وحسن موقعها في تركيب الآية .
فأنصف أيها المتأمل لما ذكرناه ، واعرضه على طبعك السليم حتى تعلم صحته ، وهذا موضع غامض يحتاج إلى فضل فكرة ؛ وإمعان نظر ، وما تعرض للتنبيه عليه أحد قبلي ، وهذه اللفظة التي هي " تؤذي " إذا جاءت في الكلام فينبغي أن تكون مندرجة مع ما يأتي بعدها متعلقة به كقوله تعالى : ) إن ذلكم كان يؤذي النبي( وقد جاءت في قول المتنبي منقطعة ، ألا ترى أنه قال " تلذ له المروءة وهي تؤذي " ثم قال :" ومن يعشق يلذ له الغرام " فجاء بكلام مستأنف ) [3]
إن الكلام إذا جاء شر منظوما ، ورد زاخرا بالعواطف قوي الإيقاع ، مما يعوقه في معظم الأحيان عن إبانة المعاني المقصودة تفصيلا وسرد الحوادث إسهابا ، وإذا كان الكلام نثرا فَقَدَ ، على الأغلب ، كثيرا من الحرارة فأبان عن المعاني بفتور ظاهر ، يحتاج معه الكاتب إلى الاستشهاد بآية من كتاب الله المجيد أو بيت من الشعر . أما القرآن العظيم فقد امتاز بنظمه الفريد المتسق مع المعاني والأغراض ببيان ساطع شاف كاف . ولم يمنعه الإسهاب وحسن البيان من الاشتمال على الإيقاع الملائم والقدرة على إثارة المشاعر الحارة وقوة التأثير في القلوب ، حتى راح الكتاب والأدباء يفضلون الاستشهاد بآية من القرآن المبين ، لتزدان به آثارهم الأدبية. [4]
لقد نقض النظم القرآن العظيم عادة العرب فيما ائتلفوا عليه من ضروب الكلام من شعر ونثر ورسائل وحكم وأمثال ، فإنه كما قال الإمام الرماني : ( فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة ، لها منزلة في الحسن تفوق به كل طريقة )[5] .
2- إحكام سبك القرآن :
فالألفاظ القرآنية متعانقة متماسكة آخذ بعضها بأعناق بعض ، حتى تراها سلسلة رقيقة عذبة متجانسة أو فخمة جزلة متآلفة .فالكلمات متآخية متجاوبة جرسا وإيقاعا ونغما ؛ متلاقية منسجمة معنى ودلالة وتأثيرا نفسيا ووجدانيا ؛ على أرو ع مستوى يطيق البشر تصوره . وإنما قُصدت كل كلمة فيه بذاتها لما تشيع به من مغزى ب؛وتحققه من تجانس وائتلاف . فلو استبعدتها لم تقدر أن ترصف مكانها كلمة أخرى تقوم مقامها . ويستحيل أن تستغني عن كلمة منه دون إخلال بالمعنى المقصود من الآية ، فكل كلمة تنبض في شرايين الكلام مغزى جديدا لا تبثه غيرها . فمهما كررت تلاوة القرآن المجيد فلن تقف فيه على تزيد أو نقص أو ترادف في الكلمات ، فلا مترادف في القرآن . لقد اختيرت كل كلمة فيه لمغزاها ومدلولها ولصفاتها الذاتية من رقة وسلاسة أو فخامة وجزالة ، وقصدت بصيغتها وحروفها لجرسها وإيقاعها ، فلا يتأدى معناها وإيحاؤها وجرسها إلاّ بها وحدها. وهذا سر من الأسرار الدقيقة التي تتجلى بها عظمة القرآن وأمجاده المعجزة .
إذا استطلعت كتب التفسير وجدتها ثرية ببيان المناسبات بين الآيات والسور القرآنية . فإذا لاحظت أن كلمات الآية الواحدة رائعة التجانس والتجاذب ؛ وأن آيات السورة الواحدة متينة التشابك والترابط ؛ وأن سور القرآن متناسقة متناسبة ؛ أدركت يقينا أن الذكر الحكيم كتاب إلهي كامل بديع السمت ) قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون ( [6]
اقرأ المعلقات الشعرية وغيرها من آثار الأدب الجاهلي تجد ألفاظها لا تنفك من غريب مستنكر أو وحشي مستكره ومن معان قاصية ، وكما تجد فيها الكلام البليغ والمتوسط تجد أيضا الكلام الوضيع المبتذل ، الذي بلغ الغاية في تدني الرتبة . وقد قدم الإمام الباقلاني عليه رحمة الله تحليلا لقصيدة امرئ القيس انتقده فيها نقدا مراً [7] يكشف عن الهفوات الشنيعة ، ويدل بالتالي على قصور القدرة البشرية عن مجاراة بلاغة القرآن ، فقد سهل الله سبيله ، وبرأه عن وحشي الكلام ومنكر غريـبه ، ونزهه عن التكلف في الصنعة ، فجاء سلسا ، ينساب كالماء الزلال ؛ قريبا إلى الأفهام، يسبق معناه اللفظ إلى القلب فيستقر ، ويغزو النفس فيتمكن . احتوى المعاني الجمة العظيمة مع سهولته ويسره وعذوبته . فعز مطلب مثيله على البشر وامتنع ، فلم يطمع أحد بالظفر بمداناته أو القدرة على مثله [8]
وإنما ينبئ الكلام عن مقام صاحبه ويدل على مكانة متكلمه , وأنت تتعرف على صدقه أو ريائه في كل غرض من أغراض كلامه . ألا ترى أن الشعر في الغزل إذا صدر عن متعمل متصنع كان كافيا في الدلالة على مداجاته وكذب عاطفته . فيدل على سمو عواطفه وإنسانية مشاعره . وذاك الفرزدق يكاد يخبر عن نفسه أنه زير نساء ، ونظمه في الغزل فج لا يستعذب ، فيدل على وضاعة مشاعره وبلادة أحاسيسه وتحجر فؤاده . فالفرزدق مع كل ما أبداه قد فضحه شعره وأثبت أنه لم يعرف للحب معنى ولم يذق له طعما . وأنت تحس لقول المتنبي :
الخيل والليل والبيداء تعرفني والحرب والضرب والقرطاس والقلم
من الواقع في القلب ما تعلم به أنه أهل الفروسية والشجاعة . ولا تحس بمثله لقول البحتري :
وأنا الشجاع وقد بدا لك موقفي بعقر قسٍ والمشرفية شُهَّدي
والقرآن أعلى منازل البيان ،وقد جمع وجوه الحسن وأسبابه : من روعة النظم وحسنه وبهجته ؛ وحسن موقعه في السمع وسهولته على اللسان ؛ ووقوع ألفاظه ومعانيه في النفس موقع القبول والإجلال ؛ وتصور المشاهد حتى يحل محل البرهان والدليل ، إلى غير ذلك من المزايا ؛ مما لا ينحصر حسنا وبهجة وسناء ورفعة . فسما بيان القرآن فوق كل بيان ، فصار له من الوقع في القلوب والتمكن في النفوس ما يدهش ويبهج ؛ ويقلق ويؤنس ؛ ويطمع وييئس ؛ ويحزن ويفرح ؛ ويشجي ويطرب؛ ويبعث على بذل المهج والأموال شجاعة وجودا ؛ وهكذا ...
فالقرآن بنفسه يدل على قدر مُتَكَلِّمِهِ ، ويخبر عن مقام منزله ، كما ينبه على عظيم شأنه وقوة إعجازه ، فيثبت لكل عاقل صحة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وصدق نبوته .
4- خطاب العقل والقلب بآن واحد:
لكل أسلوب طريقته الخاصة ؛ فالأسلوب العلمي أو الفلسفي يعنى بخطاب العقل وحده ، والأسلوب الأدبي نثرا ونظما يغلب عليه الاعتناء بخطاب القلب وإثارة العاطفة ، أو يخاطب القلب تارة والعقل تارة أخرى .
لكن أسلوب القرآن العظيم يتميز بأنه يخاطب الإنسان عقلا وقلبا ووجدانا بآن واحد .
فها هي الآيات العلمية تعرض حقائق الكون وروعته ودقة قوانينه ونظمه وانضباط أجرامه واتساق أجزائه ومجراته ، لتسمو بك إلى النظر والتملي في عظيم قدرة الله وسعة علمه وباهر إبداعه في ملكوته الشاسع . تأمل هذا النص القرآني :
) قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، آلله خير أما يشركون ! ؟ أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ، ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ! أإله مع الله ! ؟ بل هم يعدلون . أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا ، أإله مع الله ! ؟ بل أكثرهم لا يعلمون . أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض ! أإله مع الله ! ؟ قليلا ما تذكرون . أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ! أإله مع الله !؟ تعالى الله عما يشركون . أمن يبدؤ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض ! أإله مع الله ! ؟ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ! ! قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ، وما يشعرون أيان يبعثون( [9]
تحدث النص عن السموات والأرض ليلفت النظر إلى القدرة الإلهية العظمى التي قامتا بها ...
حقائق كثيرة متعددة عرضت بالبرهان العقلي الدامغ قضية الإيمان بالله وضعف الشر وعبوديتهم ؛ وخضوع الكائنات وتسخيرها رحمة بالبشرية ؛ وما فيها من جمال وإبداع وإحكام . وعرضت لعالم الشهادة وعالم الغيب . ويشير ذلك كله إلى القدرة الإلهية الخلاقة العظيمة العادلة الحكيمة ، التي قضت ببعث الموتى يوم الحساب. كل ذلك في نص واحد متصل متسق عذب كالسلسال .
وبهذا الامتياز المعجز حقق القرآن غاية عظمى من غايات الدعوة وأهدافها ،هي أن خاطب عقول العامة وامتلك نواصي أفئدتهم ، وخاطب الخاصة بإشراق ديباجته وحسن منطقه وقوة استدلاله الملزم المفحم .
5- سمو الأسلوب القرآني في الأغراض العلمية :
إن البليغ المفصح والشاعر المفلق والخطيب المصقع ليختلف أسلوبه باختلاف الأغراض ، فبعضهم يجيد في الوصف دون الغزل ، وغيره يبرع في الحماسة والفخر، وغيره عند الرغبة أو الرهبة ...
لكن القرآن الكريم قد تصرف في موضوعات عديدة متفاوتة ؛ من قصص ووعظ وحجاج وحكم ووعد ووعيد ... وتحدث عن الألوهية والعبودية والكون والإنسان ، ومع كل هذا فإن أسلوبه ظل في المنزلة العليا فصاحة وبلاغة . ولا يخفى عليك أن اختيار الألفاظ البارعة للمعاني الجديدة أعجب وألطف من إيراد اللفظ البارع في المعاني المتداولة .
هذا نص تشريعي تحدث في شأن مالي هو الدَّيْن والرهن ، فتأمله مليا ً، قال تعالى: ) يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ، ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله، فليكتب ، وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا ، فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل ( [10]
تلحظ دقة الصياغة وتساوق النغم مع الفكرة التشريعية وتسلسلها إلى الخاطر . لاحظ مثلا قوله : ) تداينتم بدين ( فإنك لا تستطيع أن تستغني عن كلمة
) بدين ( لأن الضمير سيعود عليها بعد قليل ) فاكتبوه ( فوجدوها في مكانها في النص ضرورة حساسة .
ثم تأمل كيف أخذ الله بناصر الضعيف وهو المدين وجعله سيد الموقف فلا يستضعف ولا يهضم حقه : ) وليملل الذي عليه الحق ( وحفظ بذلك حق الدائن ، لأن الإملاء من المدين إقرار صريح بالحق المترتب عليه دون لبس أو احتمال ، وفي ذلك حكمة تشريعية إلهية ظاهرة .
ثم قال تعالى ) واستشهدوا شهيدين من رجالكم ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتين ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ، ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ، ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ، ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها ، وأشهدوا إذا تبايعتم ، ولا يضار كاتب ولا شهيد ، وإن تفعلوا فإنه فسق بكم ، واتقوا الله ويعلمكم الله ، والله بكل شيء عليم (
أمر الله بإشهاد شاهدين ، وبين الحكمة من إشهاد اثنتين من النساء بما يتناسب مع الغريزة والاهتمامات المختلفة بين الجنسين ، حتى إذا وقعت إحداهما في النسيان ذكرتها الأخرى , وحذر الله الامتناع عن الشهادة بعبارة موجزة غزيرة المعنى )ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا ( فإنها تشمل المدعوين لتحمل الشهادة واستحفاظها عند كتابة الحق ، كما تشمل المدعوين لأداء الشهادة حين يقع الخلاف بين المتعاقدين . وهذه العبارة في الواقع نموذج من إعجاز الإيجاز في القرآن .
ولو تتبعنا دقة النظر والتأمل في أحكام هذه الآية المباركة وما فصلته وبينته بشأن الدين والمداينة والكتابة والاستشهاد في أسلوب شيق رفيع ، يلامس شغاف القلوب ، ويثير نوازع الإيمان ، ويقوي مراقبة الله تعالى في تصرفاته ، ويذكره أن الكون كله والإنسان في الجملة في قبضة هيمنته وأنه آيل لا محالة إلى حسابه عن كل صغيرة وكبيرة وخفية وظاهرة .
6- جاذبية النغم القرآني :
لقد جمع أسلوب القرآن البياني بين مزايا الشعر والنثر جميعا ، ومن هنا كانت جاذبية النغم القرآني خصيصة عظمى من خصائص القرآن ، تبرز آثارها للعيان حين نرى تعلق الأعاجم في عصرنا بالقرآن وحفظهم له وكثرة تلاوتهم دون أن يفقهوا بيانه ، ولهذه الخصيصة دور كبير في زماننا في استمالة أسماع المتعلقين من أصحاب الديانات الأخرى وأفكارهم .
وما من لحن موسيقي أو نغم شعري إذا طال أو تكرر إلا أورث سامعه السأم والملل ، وضعف تأثيره فيه ، لكن قارئ القرآن أو المصغي إليه في نعيم منه وابتهاج بأنغامه المتنوعة المتجددة ، تهتز لها أوتار قلبه . فالقرآن لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد ، كما أخبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم . ففي كل آية تناغم داخلي بين كلماتها ، وفي كل نص قرآني تناغم بين آياته وفواصلها .
وإن بين النغم والنظم في القرآن من التآلف والاتساق ما جعل النغم يؤدي وظيفة بيانية هامة في أسلوب القرآن .
فليست النغمة القرآنية مجرد صوت منسجم ، بل إن لها صلة بالمعاني ، وتشارك النغمة في جلاء المعنى حسا وفكرا ، حيث يأتي جرس ألفاظ القرآن ونغم سياقه مؤتلفا مع معانيه متعاضدا معها في أداء الإيحاءات والآثار النفسية والوجدانية تآلفا دقيقا ، ستظل المواهب الإنسانية تعجز عن بلوغه .[11]
7- براعة القرآن في تصريف القول وثروته في أفانين الكلام :
يورد القرآن الكريم الغرض الواحد بألفاظ متعددة وطرق مختلفة ، ويتسم
بيانه في جميعها ببراعة فائقة ، تنقطع في حلبتها أنفاس الموهوبين من الفصحاء والبلغاء ، ولسنا هنا في سبيل الاستيعاب والاستقراء ، ولكنها أمثلة تهديك ونماذج تكفيك ؛ منها تعبيره عن طلب الفعل من المخاطبين بالوجوه الآتية:
1- الإتيان بصريح مادة الأمر نحو قوله سبحانه : ) إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ( [12]
2- والإخبار بأن الفعل مكتوب على المكلفين ، نحو ) كتب عليكم الصيام [13](
3- والإخبار بكونه على الناس ؛ نحو ) ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ( [14]
4- والإخبار عن المكلف بالمطلوب منه ؛ نحو ) والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ( [15] أي مطلوب منهم أن يتربصن .
5- والإخبار عن المبتدأ بمعنى يطلب تحقيقه من غيره ؛ نحو ) ومن دخله كان
آمنا ([16] أي مطلوب من المخاطبين تأمين من دخل الحرم .
6- وطلب الفعل بصيغة فعل الأمر ؛ نحو ) حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى ( [17] أو بلام الأمر ؛نحو ) ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ([18].
7- والإخبار عن الفعل بأنه خير) ويسألونك عن اليتامى ، قل إصلاح لهم خير( [19]
8- ووصف الفعل وصفا عنوانيا بأنه بر ، نحو ) ولكن البر من اتقى ([20] .
9- ووصف الفعل بالفرضية ؛ نحو) قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم( [21] أي من بذل بالمهور والنفقة .
10- وترتيب الوعد والثواب على الفعل ؛ نحو ) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم ( [22].
11- ترتيب الفعل على شرط قبله ، نحو ) فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي( [23]
12- إيقاع الفعل منفيا معطوفا عقب استفهام ؛ نحو) أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ( [24] أي فليتذكروا .
13- وإيقاع الفعل عقب ترج ؛ نحو ) ولعلكم تشكرون ([25]
14- وترتيب وصف شنيع على ترك الفعل؛ نحو ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( [26]
8- جمع القرآن بين الإجمال والبيان :
وهذه عجيبة أخرى تجدها في القرآن ولا تجدها فيما سواه ن ذلك أن الناس إذا عمدوا إلى تحديد أغراضهم لم تتسع لتأويل ؛ ,إذا أجملوها ذهبوا إلى الإبهام أو الإلباس أو إلى اللغو الذي لا يفيد ، ولا يكاد يجتمع لهم هذان الطرفان في كلام واحد .
وتقرأ القطعة من القرآن فتجد في ألفاظها من الشفوف والملامسة والإحكام والخلو من كل غريب عن الغرض ؛ ما يتسابق به مغزاها إلى نفسك دون كد خاطر ولا استعادة حديث ، كأنك لا تسمع كلاما ولغالت بل ترى صورا وحقائق ماثلة . وهكذا يخيل إليك أنك قد أحطت به حبرا ووقفت على معناه محدودا . هذا ولو رجعت إليه كرة أخرى لرأيتك منه بإزاء معنى جديد، غير الذي سبق إلى فهمك أول مرة ، وكذلك ..
وهذا مثال موجز نقدم تحليله لإيضاح هذه الخصوصية ، وهو قوله تعالى : ) والله يرزق من يشاء تغير حساب ( [27] . فانظر هل ترى كلاما أبين من هذا في عقول الناس ! ؟ ثم انظر كم في هذه الكلمة من مرونة ! فهي تحتمل وجوها كثيرة كل منها تحتمل وجها من وجوه الصحة .[28]) فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين( [29]
للمزيد من المواضيع المتعلقة بالتحضير لشهادة الباكالوريا 2016
ليصلك الجديد فيما يخص ما ننشره
قم بتسجيل الاعجاب بالصفحة
للمزيد من المواضيع المتعلقة بالتحضير لشهادة الباكالوريا 2016
قم بزيارة هذه الصفحة
ليصلك الجديد فيما يخص ما ننشره
قم بتسجيل الاعجاب بالصفحة
0 comments