المقال الصحفي
تاريخاً كان المقال هو الأصل والأساس في تحرير الصحف والمجلات منذ نشأتها..وظل لفترة تاريخية طويلة صاحب المكانة الأولى في تحريرها،وبقيام الحرب العالمية الأولى تراجع المقال إلى الصفحات الداخلية ليتصدر الخبر الصفحات الأولى،أما قبل ذلك فكانت الصحف تصدر معتمدة على المقال في صفحاتها الأولى، وكانت كل صحيفة تتباهى بمقالاتها وتفخر بكتابها وتعمل من خلال ذلك على تدعيم مركزها ورواجها في سوق القراء.
فالمقال الصحفي كفن تحريري يلعب دوراً كبيراً في تحقيق وظيفة الصحافة في مجال التوجيه والتنوير والإرشاد وتكوين الرأي ، ومثلما هو كذلك فهو أيضاً يعين الصحيفة على القيام بالدور الذي ينبغي أن تقوم به خدمة لقرائها ..فالقارئ لا ينتظر من الصحيفة التي اعتاد قراءتها،أن تمده بالأخبار في عالم اليوم الذي استطاعت فيه تقنيات الاتصال أن تنقل الأحداث لحظة وقوعها في أي بقعة من الكرة الأرضية،وإنما ينتظر من صحيفته أن تكون رؤية تحريرية قادرة على تفسير الأحداث وتقديم المعلومات وشرح القضايا ومسائل ما وراء الكواليس، كما ينتظر من صحيفته أن تلبي حاجته إلى المعرفة والثقافة ، وأن تمكنه من فهم ما يدور حوله من أحداث ونشاطات ووقائع وقضايا..
والمقال مثلما هو فكرة يتلقفها الصحفي ليعالجها بأسلوبه الخاص وطابعه المتميز، هو أيضاً يشكل دعوة للقراء للتفكر والتدبر وربما التصرف تجاه الأحداث من واقع فهمها لها ، وفي ذلك تلعب مقالات الرأي والرصد والتحليل والتفسير لمختلف الموضوعات والقضايا دوراً في تحقيق الصحافة لوظيفتها في قيادة الرأي العام، فهذا النوع من المقالات ينبغي أن يكون خروجاً من دائرة وحدود ما هو كائن ومعروف ، إلى عمق وجوهر ما هو غير معروف وما يجب أن يكون، ففي هذا النوع من المقالات يكمن التوقع والاستكشاف والرؤية والدعوة والاستقطاب وما يتبع كل ذلك من إعمال للفكر واتخاذ للموقف والدعوة للتغير.
المقالة والصحافة:
- يتصل تاريخ المقالة العربية الحديثة اتصالا وثيقا بتاريخ الصحافة في الشرق الأوسط، فهو يرجع إلى تاريخ غزو نابليون للشرق ووجود المطابع الحديثة،وقد ظلت الصحافة لفترة طويلة تحتفظ بطريقة المقال الافتتاحي للجريدة والذي كان يدور في الغالب حول الموقف السياسي وما يعرض فيه من الأحوال والتقلبات، وقد ظهر المقال الأدبي إلى جانب المقال الصحفي.
هل هناك اختلاف بين المقال الصحفي والمقال الأدبي؟
- المقال الصحفي يتناول المشكلات القائمة والقضايا العارضة من الناحية السياسية، أما المقال الأدبي فيعرض لمشكلات الأدب والفن والتاريخ والاجتماع.
كُتّــاب المقالات:
هناك كتاب استطاعوا الإجادة في كتابة النوعين من المقالات، المقالة الصحفية والمقالة الأدبية،ومنهم:عباس محمود العقاد، والدكتور حسين هيكل، والدكتور طه حسين.
وهناك
كتاب اشتهروا بإجادة المقالة الصحفية فقط، منهم:الصحفي عبد القادر حمزة، وأحمد حافظ عوض، والدكتور محمود عزمي.
وهناك كتاب اشتهروا بكتابة المقالة الأدبية الخالصة، ومنهم:
ميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، ومي زيادة، وعبد العزيز البشري.
- أنواع المقال الصحفي:
للمقال الصحفي نوعان
1- المقال الافتتاحي: يكتبه رئيس التحرير، وهو يستعين بالوثائق ليدعم رأيه. وهو يلتزم فيه بما يلي :
- التحفظ والحذر في إبداء الرأي.
- إقناع القارئ ، وطرح الموضوعات الطازجة.
- النزوع إلى التوجيه ومخاطبة الرأي العام.
- تناول مايهم البلاد من أحوال سياسية، داخلية وخارجية واقتصادية وجتماعية.
مميزات أسلوب المقال الصحفي
1- يشتمل على فكرة يحسن كاتبها عرضها في ثوب من التشويق.
2- أسلوبه سهل واضح يفهمه كل قارئ.
3- يميل إلى الجدل في مناقشة الأراء والاتجاهات المختلفة.
4- يميل إلى التطويل فيما يتطلب ذلك، وإلى الإيجاز في أكثر الأمور.
2- مقال الرأي: وهو القسم الثاني من المقال الصحفي:
1- ليس بالضرورة أن يعبر مقال الرأي عن رأي الصحيفة كالمقال الافتتاحي.
2- وهو ليس مقصوراً على جوانب سياسية.
3- يمكن أن يُقدّمَ في سلسلة معينة، مثل فن القصة، أو قضية المرأة في أفريقيا.
- ضرورة كتابة المقال من حيث الشكل والمضمون:
الكتابة فن رفيع لا تكفي فيه كثرة الإطلاع وسعة الثقافة وتنوع المعرفة والتمتع بالموهبة، ذلك أن للكتابة عموماً، ولكتابة المقال الصحفي بصفة خاصة ضرورات، فإن توفرت في أي مقال صحفي أياً كان نوعه رفعت من قيمته وأرضت قراءه.. هذه الضرورات تعطي للمقال الصحفي درجة من القبول، تجعل القراء يقبلون على قراءته والتحدث عنه للآخرين، بما يعطي لكاتبة شهرة وذيوعاً، وتتصل ضرورات كتابة المقال بالشكل والمضمون بما هو آت:
أ-ضرورات كتابة المقال الصحفي من حيث الشكل:
المقال كأي جسم كتابي له مكونات بعضها يتصل بالفكرة وأسلوب عرضها وطريقة تقديمها،وبعضها الآخر يتصل بالشكل الذي يكون عليه المقال وأهمها: العنوان والمقدمة والجسم والخاتمة والصورة إذا دعت الضرورة لوجودها .
هذه المكونات تجمع مختلف أنواع المقالات على وجودها،مثلما يُجمع مختلف كتاب المقالات على الكتابة على أساسها.
ب/ ضرورة كتابة المقال من حيث المضمون:
لكي تكون البداية صحيحة يجب أن تكتب الموضوع أولاً في رأسك،بعد أن يروق لك ويثير اهتمامك..ثم فكر في الزاوية التي ستكتب عنها،والعبارات التي تستحق أن تأخذ بها،وعناصر التشويق التي يجب أن تسيطر عليها،ومن ثم يبدأ سعيك نحو الأسلوب الذي ستكتب به،فحين تنطلق الكلمات على الورق ،يجب أن تركز على المقدمة،وتذكر أنها هي التي تحدد المزاج العام للمقال،وهي التي ستتضمن العنصر الذي أثار خيالك واستفز تفكيرك،لعله أيضاً يفعل القارئ نفس الشيء، ففي كل أنواع الكتابة الصحفية لا يمكننا تجاهل الهرم المقلوب ،لأن له سمة واحدة ينبغي تطبيقها في كل أشكال الكتابة الصحفية،هذه السمة تتمثل في أن تكون أول فقرة (المقدمة) بالغة القوة،وأفضل الفقرات هي التي تجعل القارئ يحس وكأنه يرى..وهو سبيل الكاتب المتميز.
خطوات تحرير المقال:
على الرغم من أن المقال وثبة عقلية لا تجري على نسق معين،إلا أن التجارب دلت على أن تحريره يمر بعدة خطوات نجملها في الآتي:
الخطوة الأولى: الكتابة في الذهن :وهي قاعدة عامة لمختلف أنواع الكتابة الصحفية حيث تبدو الأفكار والعبارات والجمل مشرقة في ذهن الكاتب، وهي نتاج للمعايشة الصحفية المستمرة للأحداث محلياً وعالمياً.
فالكاتب الذي لا يتمثله الحضور الذهني الصحفي قبل البدء في الكتابة،فذلك يعني أنه لم يكن موفقاً في اقتناص الفكرة التي سيكتب عنها، ومناقشته لها مع نفسه،وغالباً ما تستعصي الكتابة عليه،ويجد نفسه حائراً من أين يبدأ؟وماذا يكتب؟وماذا يترك؟
الخطوة الثانية: تقسيم الفكرة إلى عناصر :بعد استقرار الحضور الذهني للفكرة يبدأ الكاتب في تقسيمها إلى عناصر كي يسترشد بها في تناول الفكرة، فالعناصر هي التي تحدد ما سوف يكتبه المحرر،فقد تحتاج بعض العناصر إلى معلومات معينة، أو رأي خبير أو ما إلى ذلك.
الخطوة الثالثة: تحديد الاتجاه العام للمقال: هذا الاتجاه هو الموقف الذي ستكون عليه كتابته في ضوء المواءمة بين:رؤيته الخاصة وسياسة الصحيفة وتوقعات القراء.
الخطوة الرابعة: تنظيم المادة: وذلك بترتيب العناصر واستبعاد الضعيف والقلق منها،وكذلك الأمر بالنسبة للمعلومات..
الخطوة الخامسة: كتابة المقال:وتبدأ هذه الخطوة بكتابة العنوان والمقدمة وجسم المقال ثم خاتمته.. وبعض الكتاب يؤجلون كتابة العنوان إلى ما بعد الفراغ من كتابة المقال،فليس هناك قاعدة ثابتة أو طريقة معينة.. فلكل كاتب أسلوبه وطريقته الخاصة في إعداد نسيج مقاله،ولكن من المهم في ذلك أن يحافظ الكاتب على الوحدة العضوية للمقال ، والتي تجعله متماسكاً في شكله ومضمونه ولتحقيق ذلك يجب أن يتأكد الكاتب من سلامة اختياراته لعبارات الربط التي يتنقل بها من فقرة إلى أخرى،والأهم من ذلك كله،أن يحافظ على الفكرة الأساسية على طول المقال حتى لا تبعده التفاصيل عن جوهر الموضوع فتضعف المعالجة ويتيه القارئ.
الخطوة السادسة: المراجعة.. في هذه الخطوة يخضع المقال إلى المراجعة التي تؤدي إلى
1-استبدال عنوان بآخر.
2-تغيير نوع المقدمة أو تعديل بعض جوانبها أو اختصارها أو إدخال إضافات عليها
3-تقديم أو تأخير أو حذف أو دمج بعض فقرات المقال.
4-التأكد من صحة بعض الآراء أو المواقف التي تبناها الكاتب ومدى اتصافها وموضوعيتها.
5-مراجعة الأسماء والتأكد من صحة المعلومات والأرقام والتواريخ.
6-التأكد من السلامة اللغوية من حيث النحو والإملاء واستخدام الألفاظ المناسبة والمعاني .
7-الاطمئنان على طول المقال وعدد سطوره بما يتناسب مع المساحة المتاحة أو المخصصة له.
خصائص لغة المقال:
لغة المقال ليست اللغة المتقعرة التي يتسابق الكتاب لحشو مقالاتهم بها، فالكلمات العقيمة والألفاظ الغربية،تجعل القارئ ينفر من قراءة المقال إلى مادة أخرى تكون كلماتها وألفاظها أكثر سهولة وجاذبية وسلاسة،لأنها تشعرهم أن كتابها يتعالى عليهم..
ولغة المقال هي اللغة السهلة السليمة الواضحة القريبة من فهم غالبية القراء،فهي اللغة التي:
1-تنساب كلماتها دون صعوبة أو تعقيد.
2-تتأثر بالواقع السياسي الحدثي وظروفه وأحواله المتغيرة.
3-تتصل بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع والعالم من حوله.
4-تتواكب مع التطورات والأحداث العالمية.
5-تتفاعل مع اللغات الأخرى.
6-لا تستغني عن استخدام بعض الكلمات العامية، كمثل شعبي مشهور أو بيت شعر شعبي أو عبارة قالها شاهد عيان بالعامية،على أن ذلك يجب ألا يصل إلى حد الإسراف .
7-تستخدم بعض عناصر الأسلوب الأدبي، دون أن يتقمص الصحفي شخصية الأديب الكامل،بمعنى أن تكون استعانته ببعض صور وأساليب وخصائص الأسلوب الأدبي محدودة،ودون تهافت أو مغالاة،وأن يكون ذلك لغرض وظيفي لخدمة المعنى وليس لغرض جمالي،فبلاغة الكتابة في الصحافة هي البلاغة العملية الوظيفة وليست البلاغة الأدبية الجمالية.
كيفية كتابة مقال صحفي
جمع المعلومات:
لبناء مقال صحفي ناجح ينبغي أن تقوم بالإعتماد بشكل أساسي على معلومات دقيقة وموثوقة، لذا كان عليك الإجتهاد في جمع المعلومات من المصادر المتنوّعة، ويجب أن تشمل المعلومات جميع الجوانب المتعلّقة بالحدث أو المقال الذي تريد كتابته، فمثلاً لو كنت تريد كتابة مقال صحفي عن إقرار قانون جديد فمن الأفضل جمع معلومات حول القوانين السّابقة ولماذا تم تمرير هذا القانون وتناول وجهات النّظر المعارضة. •
إجراء المقابلات:
لتعزيز مقالك الصحفي فمن الأفضل أن تقوم بإجراء بعض المقابلات مع الأشخاص الخبراء أو المعنيين بالموضوع الذي تريد كتابته، أيضاً بإمكانك أخذ آراء بعض النّاس حول الموضوع أو المسألة التي تتناولها في مقالك. •
الدقة:
كن على علم أنه يقع على عاتقك مسؤوليّة كبيرة عند كتابتك للمقال الصحفي فأنت بالدّرجة الأولى تريد تقديم معلومات دقيقة للقرّاء، وربّما تظن أنّ الوقوع في بعض الأخطاء يبدو أمراً تافهاً أو بسيطاً ولكن الحقيقة أنّه يمكن أن يكون لذلك عواقب وخيمة، لذلك قم دائماً بالتحقّق من البيانات والأرقام التي تدرجها في مقالك وذلك بالاستعانة ببعض المصادر الموثوقة. •
العنوان:
عنوان المقال الصحفي يشكّل عاملاً هامّاً في جذب القرّاء، وإعطاء أهميّة أكبر للمقال، لذلك من الجيّد أن تستخدم عنوان مشوّق ومناسب لمحتوى المقال. •
مقدمة المقال:
حاول أن تقوم بالإهتمام بمقدّمة المقال بشكل جيّد، ويجب أن تحتوي الفقرة الأولى للمقال الصحفي على المعلومات الأكثر أهميّة في موضوع المقال. •
الترتيب:
عند كتابة المقال الصحفي يجب عليك مراعاة ترتيب الفقرات اعتماداً على الأهميّة لا على العامل الزمني، أيضاً عند إدراج التفاصيل الطويلة نوعاً ما فقم بوضع التفاصيل الأكثر أهميّة ثم الأقل. •
الخاتمة:
إنشاء خاتمة في نهاية المقال عامل مهم في لفت انتباه القارئ للموضوع بعد انتهائه من قراءة المقال، لذا يفضل أن تعطي موجزاً سريعاً للنقاط الأساسيّة التي تناولها المقال بأسلوب شيّق ومميّز.
وأخيراً:
إن كتابة المقال الصحفي ليست بالصعوبة التي يحاول أن يصورها البعض، كما أنها ليست بالسهولة التي تظهر بها على صفحات الصحف،فهمي عملية متميزة،لأنها تختلف عن أساليب كتابة الفنون الصحفية الأخرى، وإن كانت جميعها تميل إلى الكتابة الموجزة التي يتم فيها تحديد النقاط بسرعة وباختصار المعنى المقصود أو المطلوب،فالإيجاز وليد الحاجة في العمل الصحفي حيث المساحة المخصصة تقف حائلاً أمام اندفاع الصحفي لكتابة التعبيرات النثرية المطولة، فالمقال أحوج مايكون إلى ذلك حتى لاتتحول فقراته إلى ثرثرة وجدل وترديد لمعلومات ووقائع تناولتها الأخبار .
لتحميل الدرس صيغة وورد
لتحميل الدرس صيغة وورد
0 comments